اليوم الدراسي:"قضايا اللسانيات العربية والتطبيقية في فكر عبد الرحمان الحاج صالح"

تقرير عن فعاليات اليوم الدراسي:"قضايا اللسانيات العربية والتطبيقية في فكر عبد الرحمان الحاج صالح" المنعقد يوم 05/03/2019،تخليدا للذكرى الثانيّة لوفاة العلامة عبد الرحمان الحاج صالح

 

فُتح باب قاعة المحاضرات في حدود الساعة التاسعة ليستقبل أساتذة و طلبة دكتوراه تخصّصات شعبة الدراسات اللغوية للسنوات الثلاث الماضية وللسنة الدراسية الحالية والموطَّن تكوينهم في مخبر اللسانيات التطبيقيّة وتعليم اللغات  ،حيث اطلعوا على مؤلفات العلامة عبد الرحمان الحاج صالح التي عُرضت في مدخل القاعة واستلموا الأعداد الثلاثة الأولى من مجلة  "اللسانيات التطبيقيّة " التي يصدرها المخبر ،وكذا برنامج اليوم الدراسي.

افتتحت  أشغال اليوم الدراسي في حدود الساعة العاشرة صباحا بكلمة لمدير المخبر  الأستاذ سيدي محمد بوعياد دباغ ،رحّب فيها بالحاضرين  ،ثم طلب منهم الوقوف دقيقة صمت ترحما على الأستاذ عبد الرحمان حاج صالح، ليشير بعدها إلى سياق هذا اليوم الدراسي الذي يندرج ضمن سلسلة الندوات والأيام الدراسية التكوينية الموجهة إلى طلبة دكتوراه الطور الثالث ( ل م د) على وجه الخصوص والتي عكف المخبر على تنظيمها منذ تأسيسه.و  في ذات السياق أشار مدير المخبر إلى أنّ المجلة التي يصدرها المخبر موضوعة تحت تصرّف الأساتذة والطلبة الباحثين لنشر مقالاتهم، كما أعلن عن الافتتاح الرسمي لموقع المخبر ضمن الموقع الرسمي لجامعة الجزائر 2 ،وختم متمنيا التوفيق للمتدخلين وللطلبة ،ومحيلا الكلمة لمنسقة التكوين في تخصّص اللسانيات العربيّة   الأستاذة  هندة بوسكين التي ذكّرت بمناقب العلامة الراحل عبد الرحمان الحاج صالح ـ رحمه الله ـ مبرزة صفات رجل العلم التي ينبغي للباحث الأكاديمي و الأستاذ الجامعي أن يتمثلها ، ومشيدة بمشاريع هذا العلم اللساني، الضخمة و الجريئة ،ومنها نضاله الطويل في خدمة اللغة العربية: "و هذا من استراتيجيات تخصّص اللسانيات العربية ،و هو مجال يعاني ـ اليوم ـ من إشكالات عميقة أبرزها كيف نقرأ التراث اللغوي قراءة منتجة تحتكم إلى الأصالة؟ "

تناولت الكلمة بعد ذلك  منسقة التكوين في تخصّص اللّسانيات التطبيقية ،والمسؤولة عن اليوم الدراسي،الأستاذة حفيظة تزروتي ؛حيث أوضحت أهداف هذه التظاهرة العلمية التي تنظّم في الذكرى الثانية لوفاة أيقونة اللسانيات؛العلامة عبد الرحمان الحاج صالح ، تخليدا لهذا الرمز ، واعترافا بما ورثّه للسانيين عامّة من ثروة علمية لا نظير لها، كما أبرزت محاور المحاضرة المسجلة للأستاذ عبد الرحمان حاج صالح  والتي كان قد خصّ بها طلبة دكتوراه تخصّص اللسانيات التطبيقية وتعليمية اللغة العربية قبيل وفاته بحوالي شهر ونصف (15 جانفي 2016) ، مشيرة إلى أن هذه المحاضرة تشكّل السند الذي سيؤسّس عليه الأساتذة المتدخلون مداخلاتهم وتحليلهم وشرحهم لأفكار الأستاذ رحمه الله ،وختمت متمنية للطلبة التوفيق والعمل بالنصائح التي قدّمها الأستاذ في ختام المحاضرة المسجلة ،وفي مقدمتها الاجتهاد والتحلي بالدقة والصرامة العلميتين.

عُرض بعد ذلك الفيديو الذي استغرق قرابة الساعتين ،والطلبة والأستاذة يتابعون وينصتون لما يقوله الأستاذ  في صمت وانبهار ،ثم شرع الأساتذة في الشرح والتحليل،حيث كان أول المتدخلين الأستاذ أحمد فوزي الهيب الذي صرّح بداية بأنه ،وعلى الرغم من دراسته لمؤلفات الأستاذ عبد الرحمان حاج صالح، إلا أنه شعر وأنه يكتشفه لأول مرة  من خلال متابعة شريط الفيديو، ليستسمح الحضور بقراءة الفاتحة على روحه، ثم استهل مداخلته بالحديث عن  الميزة التي تميّز بها الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح عن كثير من الباحثين، وهي أنه قد اطلع على التراث العربي اطلاع المتمكّن الواعي ثم اطلع على النظريات اللسانية الغربية، وأفاد منها "إفادة الند العزيز المقتدر، وليس أخذ المقلد الضعيف المنكسر".   وبنى بعد ذلك نظريته الخليلية الحديثة على أصول النظرية اللسانية التراثية لدى الخليل بن أحمد وسيبويه وغيرهما من الكبار مستفيدا من العلوم الحديثة، وكان هدفه من نظريته ليس هدما للحديث، وإنما التنبيه إلى مكانة تراثنا المجيد وأهميته في تاريخ اللسانيات العالمية بعدما أساء إلى هذا التراث كثير من الدارسين العرب المنبهرين بالغرب، وإلى فهمه كما أراد أصحابه بدقة، وإعادة قراءته من غير تعصب له، بل لفهمه فهما صحيحا وإعادة صياغته بلغة العلم الحديث ومنطقه ثم حوسبته.

أوضحت المداخلة أيضا جهود الخليل بن أحمد الفراهيدي في كل من اللغة والعروض، وكيف اعتمد في كليهما على نظرية التباديل والتوافيق الرياضية، فأقام عليها معجمه ( العين ) وعلم العروض وبحوره ودوائره بصورة مبتكرة لم يسبقه إليها أحد، مما يدل على عبقريته الفذة في اللغة والنحو والعروض والرياضيات والموسيقا.

وختم المحاضر ورقته بالقول :"إنّ خير احتفاء بالأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح هو متابعة طريقه العلمي الأصيل، ثم الانطلاق منه إلى آفاق علمية جديدة، تسعد الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الحاج صالح في مثواه الأخير".   

ركزت مداخلة الأستاذ أمين قادري بعدها على إيضاح جهود العلامة عبد الرحمن الحاج صالح في إقرار اللسانيات العربية تخصصا علميا يحاور اللسانيات العامة الحديثة من موقع قوة، وذلك من خلال أطروحته للدكتوراه المعنونة بـ: "اللسانيات العربية واللسانيات العامة"، مع ذكر الظروف والملابسات التي أنجز فيها هذا العمل. كما تطرّقت إلى فكرة أن تيار "الخليلية الحديثة" هو روح للتفكير العلمي ومنطق للبحث في اللغة أكثر من كونه نتائج محصّلة ومحددة من خلال الدراسات التي أنجزها الأستاذ، وهذا ما يفتح الباب للباحثين من أجل أن يشتغلوا على مساحات علمية أخرى لم يتسن للأستاذ الاشتغال عليها أو التعمق فيها، وألمحت في الأخير  إلى أن مسيرة الأستاذ ينبغي أن تتخذ أسوة وقدوة، لا في البحث العلمي وحده، بل كذلك في أخلاقيات البحث وشروطه من الحرص والمثابرة والتثبت والصرامة العلمية خدمة للحقيقة التي كان الأستاذ يرى أنها "جميلة" في نفسها.

تطرقت المداخلة الثالثة ،وهي للأستاذ أحمد سعدون إلى موضوع ضيق في مسيرة الأستاذ عبد الرحمن الحاج صالح، يتمثل في مسيرته التعليمية في العقود الأخيرة من حياته، والتي أدركها طلاب الماجستير خصوصا، حيث بلغت الرؤية التعليمية عند الأستاذ أوج نضجها، وتداخلت فيها دقته العلمية بعرض بيداغوجي رفيع المستوى وبالغ الوضوح والتقريب لمفاهيم اللسانيات سواء منها اللسانيات العامة، أو اللسانيات العربية، وقد ركزت المداخلة أيضا على ضرورة الاحتكاك بالعلماء والإفادة من تجاربهم وهم أحياء، وعدم الاقتصار على قراءة نتاجهم المكتوب، لأن التجربة الحية وخصوصا البيداغوجية لا تعوّض، ولا تبرز بوضوح من خلال العمل الموثق، بل هي مرتهنة بلحظة التعليم وبتمثّل الطالب لها.

عالجت مداخلة الأستاذ عبد الرحمان أكتوف المظاهر التداولية في الفكر التراثي العربي،وتحديدا  في خطاب الوصف النحوي لدى المدرسة الخليلية ( سيبويه نموذجا ) ؛إذ أوضحت بداية  أن فكر الأستاذ عبد الرحمان حاج صالح فكر موسوعي ينظر للغة في كل آفاقها وأبعادها التداولية ، ثمّ بيّنت أنّ أبرز الأبعاد التداولية   المتمثّلة في الاستعمال و القصدية  والإفادة هي أبعاد برهن الأستاذ عبد الرحمان حاج صالح   على  أنها لم تكن غائبة في الدراسات العربية التراثية،ودللّت على ذلك من خلال توضيح الأبعاد التداولية في كتاب سيبويه ،حيث ركّزت على :

- ترجيح الاستعمال في التقعيد النحوي.

- الاعتماد على القصدية في التخريج النحوي.

- الإفادة في الخطاب.

وتناولت الأستاذة حورية عميروش بالتحليل صلة بعض القضايا اللغوية التراثية باللسانيات الحديثة من خلال  ما طرحه الأستاذ عبد الرحمان الحاج صالح في كتبه؛ كقضية الوضع والاستعمال عند العرب وعلاقته باللغة والكلام في اللسانيات الحديثة، وما يميّز الرؤية العربية لهذين المصطلحين عن اللسانيات الغربية،و البراغماتيك الغربية ونظرية الخطاب العربية، وكيف أنّ قضايا الخطاب والتداول ذات ممارسات عميقة في التراث خاصة عند الأصوليين والبلاغيين،وأخيرا اهتمام النظرية الخليلية  بالعامل في النحو العربي و تناولها له تناولا جديدا بصياغة شكلية رياضية، وصلته بالرابط العاملي في النظرية التوليدية التحويلية.

أما الأستاذة هندة بوسكين فقد انطلقت  في مداخلتها من كون المنتج العلمي الدقيق الذي خلّفه العلامة اللساني الجزائري يعكس شخصه، فهو الباحث الأكاديمي الذي تميّز بالصرامة و الجدية و الجدّة، و كذا الأصالة المرهونة بالإبداع،لتتناول جملة إشكالات  شغلت اللغويين العرب القدامى، منها دور النحاة الأوائل في بناء صرح البلاغة بفتح سيبويه باب التوسع الذي طبقه أوعبيدة بن المثنى بأكثر حرية. وهو أمر شغل بال العلامة عبد الرحمن الحاج صالح و أراد بعثه من جديد لتصحيح مسار البلاغة في المرحلة الراهنة.

وركزّت مداخلة الأستاذة حفيظة تزروتي على أفكار الأستاذ عبد الرحمان الحاج صالح التي أسّس لها   من خلال معاينة واقع تعليم اللغة العربية في الجزائر وفي البلدان العربية ولم يكتف بتشخيصه،بل قدّم البديل له من خلال بناء  تصوّر يشمل كل أقطاب العملية التعليمية التعلمية:المعلّم والمتعلّم والمادة المعرفية ،وقد كان وفيا في ذلك لرؤيته القائمة على الدراسة الميدانية التطبيقية والاستئناس بالتراث اللغوي العربي الأصيل .وفي السياق نفسه ،أبرزت مداخلة الأستاذ سيدي محمد بوعياد  مقترحات الأستاذ عبد الرحمان الحاج صالح للارتقاء بتعليم اللغة العربيّة من خلال مشروعي "الرصيد اللغوي الوظيفي" و "الرصيد اللغوي العربي " اللذين كان أحد مهندسيهما البارزين ،فأكّدت على دور هذين المشروعين في تعليم مفردات اللغة العربية للناشئة وتنمية كفاءة التواصل لديهم.

وفي إطار تقديم مشاريع الأستاذ ـ رحمه الله ـ جاءت مداخلة الأستاذة سميرة وعزيب لتتناول المشروع الضخم الذي  أطلق الأستاذ عبد الرحمان حاج صالح فكرته منذ نحو ثلاثين سنة، وهو مشروع الذخيرة العربية ،حيث أبرزت المجهودات التي بذلها لإخراج المشروع إلى النور، كما عرّفت  بالمشروع نفسه، وبيّنت مميزاته وشروط نجاحه،وأوضحت  بعض الآليات المعتمدة في إدخال المعطيات في بنك الذخيرة العربية. 

بهذا اكتملت مداخلات هذا اليوم الدراسي في حدود العاشرة بتوزيع شهادات تقديرية للمشاركين وبتوصية تحويل موضوع هذا اليوم الدراسي إلى إشكالية ملتقى يتم عقده في السنة القادمة إن شاء الله .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اتصل بنا

مخبر اللسانيات التطبيقيةوتعليم اللغات

لاستفساراتكم وأسئلتكم اتصلوا بنا:

  • البريد الالكتروني: lael@univ-alger2.dz
  • العنوان: 02 شارع جمال الدين الأفغاني. بوزريعة. الجزائر