اليوم الدراسي الوطني : قضايا صناعة القاموس المدرسي الراهنة

افتتح اليوم الدراسي من طرف مدير المخبر الأستاذ سيدي محمد بوعياد دباغ، و رئيس قسم اللغة العربية وآدابها الأستاذ  نذير  بوصبع في حدود الساعة التاسعة والنصف،  حيث أبرزا أهمية موضوع اليوم  الدراسي  وعلاقته بالبحث في تخصص اللسانيات التطبيقية  وتعليمية اللغة العربية، ليشرع بعد ذلك منشط الجلسة الأولى الأستاذ: أمين قادري في تقديم المتدّخلين وفقا للبرنامج المسطر .

        أبرزت المداخلة الأولى  للأستاذة جوهر مودر والموسومة بــــ   " علاقة المادة المعجمية باحتياجات المتعلمين- دراسة في القاموس المدرس ي الوظيفي- عربي/قبائلي"   أهمية المعاجم المدرسيّة ؛فهي وسائل تعليميّة لا تقلّ أهميّة عن باقي السندات التّربوية، كالكتاب، والمنهاج ... ولذلك من الضّروري أن يزداد وعي مؤلفيها بمختلف الأدوار المنوطة بها، وبالتّالي الشّروط التي ينبغي الالتزام بها عند تأليفها ،وفي مقدّمتها ضرورة انسجامها (أي المعاجم) مع مستعمليها، والانطلاق من طبيعة المتلقّين الّذين تستهدفهم  واحتياجاتهم اللّغوية  ،قصد تحديد المدوّنة اللّغوية المناسبة،وهو ما قيّمته هذه المداخلة من خلال دراسة مدوّنة تتمثّل في قاموس مدرسيّ هو نتاج عمل جماعة من باحثين في إطار وحدات بحث تابعة لمخبر الممارسات اللّغويّة بالجزائر، تأسيسا على الإشكالية الآتية:  ماهي طبيعة المادّة اللّغويّة في القاموس؟ و هل هي كفيلة بأن تحقّق الهدف الذي ألّف من أجله القاموس وهو أن: «يستجيب لمختلف الألفاظ التي يصادفها التّلميذ في تمدرسه»؟

       بيّنت المداخلة الثانية للأستاذة نبيلة عباس والمعنونة بــ " المعجم الإلكتروني ودوره في تنمية اللغة عند المتعلم " دور علم المعاجم الإلكترونية باعتباره أحد أهمّ فروع اللسانيات الحاسوبية الناتجة عن تفاعل اللسانيات مع علوم الإعلام الآلي و مختلف التقنيات الحديثة ؛فإذا كان المعجم وسيلة لا يستغني عنها متعلّم اللغة لما لها من دور في تطوير مفرداته  وتحسين  مهاراته في القراءة والكتابة ، فإن المعجم الإلكتروني عامة والتعليمي خاصة يوفّر مزايا أخرى تتمثل في إمكانية  تخزين عدد معتبر من المفردات على شبكات المعلوماتية أو على الأقراص ، إضافة إلى فرصة التصفح السريع .

     ألقت بعدها الأستاذة صونيا بكال مداخلتها  المتمحورة حول " تجليات النظرية الطرازية والنظرية القولبية في القاموس المدرسي " التي أوضحت في بدايتها الصعوبات التي اعترضت اللسانيين في ضبط مفهوم الدلالة، ممّا جعل بعضهم يلجأ إلى علوم مجاورة علّها تكون السبيل إلى تقنين مفهوم الدلالة وضبط آلياتها، على غرار نظرية الطراز لروش (Eleanor Rosch) ونظرية القوالب لبوتنام (Hilary Putnam). وفي هذا السياق ،تتبلور الإشكالية التي أجابت عنها من خلال تقييم التعريف في بعض القواميس،ثم تقديم أمثلة له تأسيسا على النظريتين المذكورتين ،وتتمثل هذه اإشكالية في:هل يمكننا الاستفادة من هاتين النظريتين واستغلالهما في صياغة التعريف الموجه للأطفال؟ 

 

      و بهذا انتهت مداخلات الجلسة الأولى، حيث  شرعت  في تنشيط الجلسة الثانية الأستاذة أميرة منصور، التي أحالت الكلمة إلى الأستاذة   حفيظة تزروتي  لعرض مداخلتها  المعنونة بــــ  " استثمار الملفوظات التعريفية الطبيعية أو العادية    (DOC) للأطفال في إعداد قاموس مدرسي (10-8سنوات)" . وقد  تأسست هذه المداخلة على ما أثبتته الكثير من الدراسات التي أكّدت أنّ «القواميس المدرسية الحالية تقدّم للأطفال في أغلب الحالات مقاربة للمعنى القاموسي لا تختلف إطلاقا عن التقليد الدلالي والقاموسي الموجه للكبار،حيث يبقى التعريف الصحيح المفترض،تفاضل الوحدات المعجميّة« . ولهذا فإنّ التعريف فيها (القواميس المدرسية) لا يختلف لا من حيث الشكل و لا من حيث البنية عن ذاك المقدّم في القواميس العامة ؛إذ  لا يأخذ معدوها في الاعتبار معيارا هامّا من معايير ضبط التعريف في القواميس الموجهة للأطفال وهو مدى مناسبته لسن المتعلم أو بالأحرى لقدراته المعرفية والإدراكية .

و لقد حاول بعض الباحثين تقديم حلول علمية وعملية لتجاوز هذه المشكلة ،ومن بينهم جوزات راي دوبوف (Josette Rey-Debove) التي لمست الحاجة إلى إعداد قاموس للأطفال يختلف عمّا هو متداول من قواميس فقيرة ومبهمة ومملة ،حيث قدّمت مجموعة اقتراحات ،لعلّ أهمها اعتماد التعريف الجملي (Définition phrastique) الذي يُصيِّـر «النظام الضمني قي قواميس الكبار صريحا لدى الأطفال... فالتعريف الجملي هو وحدة طبيعيّة للتواصل وهو يحمل المعلومة بطريقة أسهل للفهم ...».

ومع ما يحققه هذا النوع من التعريفات  من توضيح للمعنى بالنسبة للأطفال ،فإنّه يبقى قاصرا باعتراف دوبوف نفسها ، نتيجة عدم مناسبته جميع أنواع المداخل ،فهو لا يستخدم إلا لتيسير  التعريفات الصعبة.

ونتيجة لذلك دعا بعض المختصين إلى ضرورة الاهتمام بالتعريفات الطبيعيّة    (définitions naturelles )؛ففي الدنو من التعريفات العفوية للأطفال إنجاح لعملية التواصل ، وتمييز لقواميسهم عن قواميس الكبار ،تأسيسا على نظرة إيجابية وجوهرية للمعجم (Lexique) باعتباره انعكاسا للواقع ،إذ ما يهمّ بالنسبة للمتكلمين عند وصف المعنى هو قبل كلّ شيء الجانب الحسي (Sensoriel)والإدراكي (Perceptif)والمرجعي (Référentiel).وفي هذا السياق أكّدت فرنسواز مارتن بيرثي (Françoise Martin-Berthet) أنّ الطفل لا يطلب التعريف فحسب،بل ينتجه أيضا ، ولذلك ينبغي أن تؤخذ التعريفات التي ينتجها في الاعتبار عند إعداد قاموسه المدرسي قصد استنباط العمليات الذهنية التي يوظفها في إنتاجه لها،وبالتالي استثمارها عند تأليف التعريفات وصياغتها  في القواميس المدرسية، أو استغلال تعريفاته نفسها في شكل أمثلة مشروحة ، وهو بُعد يبدو  أنّه لم يستثمر بعد حتى في القواميس المدرسية الأجنبية ،فما هو السبيل إلى أجرأته؟

هل يمكن استثمار تعريفات الأطفال المتراوحة أعمارهم بين 9 و10 سنوات، في تعريف مداخل قواميس مدرسية تُعدّ خصيصا لهم؟ ما هي الأدوات العلمية التي يمكن اعتمادها في جمع هذه المدونة ؟وكيف يمكن معالجتها لتصير مادة تعريفيّة توجّه إلى فئة عمرية معينة من الأطفال وتأخذ قدراتهم الذهنية وحاجاتهم التواصلية في الاعتبار ؟

تلك هي التساؤلات التي أجابت عنها هذه المداخلة تأسيسا على مدونة ضمّت تعريفات الأطفال الطبيعية لمجموعة من الكلمات (المداخل).

        كانت آخر المداخلات مداخلة الأستاذة كريمة بوعمرة  الموسومة بــ " التمثلات وانطباعها في الصورة والتعريف – قاموس لاروس الجديد للمبتدئين نموذجا-حيث بيّنت الأستاذة دور التمثلات التي توجّه إدراك الطفل للواقع، فيبني من خلالها علاقته مع المرجع، وهي تمثلات توجد  في التعريف والصورة التوضيحية في المعجم المدرسي، وأكثر ما نجدها في المثال والصورة، اللذين يعتبران من وسائل الشرح في المعجم. وانطلاقا  من ذلك طرحت المداخلة  إشكالية دور التمثلات في تمرير ثقافة الآخر، وهذا في قاموس لاروس الجديد للمبتدئين، على اعتبار أن القاموس يوجّه أيضا للفئة المعربة ، أي فئة المتعلمين غير الناطقين باللغة الأصلية، ونجد أن القوالب فيه تظهر بصورة مباشرة في المثال والصورة التوضيحية،وهو ما تمّ توضيحه من خلال  عرض صور توضيحية مستقاة من القاموس نفسه.

        انتهت فعاليات اليوم الدراسي في حدود الساعة الرابعة مساء، حيث وزّعت شهادات تقديرية على المتدخلين،  و اختتمه مدير المخبر بتوصية تتمثل في تنظيم ندوة في الموضوع نفسه عندما تنهي فرق البحث التابعة للمخبر والمهتمة بموضوع المعجم مشاريعها.  

 

اتصل بنا

مخبر اللسانيات التطبيقيةوتعليم اللغات

لاستفساراتكم وأسئلتكم اتصلوا بنا:

  • البريد الالكتروني: lael@univ-alger2.dz
  • العنوان: 02 شارع جمال الدين الأفغاني. بوزريعة. الجزائر